عندما يعود للميناء بغنيمته، يكون وجهه عادةً أبيض يغطيّه الملح، تتناثر مياه البحر على الوجه الذي تحرقه الشمس، وتترك خلفها قناعاً من الملح. قناعاً ينبّئ ولا يخبِّئ ، قناعاً يُظهر أصالة الوجود ولا يترك مجالاً للتزييف. أرى القناع نفسه على وجوه المهاجرين اليائسين، الذين قضوا أياماً طوالاً في البحر، تتقاذفهم الأمواج. كلما رأيتهم بهذه الحال، أفكِّر في أبي. كلُّهم أبناء البحر ذاته. كان أبي يعود للبيت كلَّ مرَّة متعباً، لكنه لم يعُد مهزوماً قطّ. الآلام التي يشعر بها تزداد سوءاً، والدموع التي تجد لها مساراً أحياناً على وجنتيه، تتحلّل ويبقى ملحها على بشرته. كانت تلك هي دموع الملح”.
****************************
في السنوات الأخيرة، تردّد بكثرة في عناوين الأخبار اسم لامبيدوزا، الجزيرة الصخرية الواقعة على بعد مئة ميل من ساحل إيطاليا الجنوبي، بعد أن صارت الوجهة الأكثر شيوعاً لمئات الألاف من لاجئي إفريقيا والشرق الأوسط الهاربين من الحروب الأهلية والإرهاب، الساعين لحياة جديدة في أوروبا. عمل د. بيترو بارتولو، الذي أدار العيادة الطبية الوحيدة في الجزيرة على استقبالهم ورعايتهم، أحياءً وأمواتاً، لما يزيد على ربع القرن.
كتاب “دموع الملح” هو سيرة ذاتية مؤثرة لحياة د. بارتولو وعمله ومواجهته لواحدة من أسوأ المآسي في زمننا. يسرد د. بارتولو ما لا يمكن نسيانه من حكايات الألم والأمل، حكايات أولئك الذين ضاعوا وغيرهم ممن نجوا. دموع الملح هو بورتريه أدبي حميم لرجل استثنائي رسالته واضحة: “لم ولن نسمح لمخاوفنا أن تحكمنا”.
Reviews
There are no reviews yet.