المراقبة
الأمر عائد لي الآن إنني خائفة، يداي ترتجفان وفمي جاف. نظرت بعيدا إلى الجبال التي أمضيت عمري فيها، هناك حيث ولدت وحيث توفيت عائلتي، عائلتي كلها عدا أخي يوسف. أذكر ما قاله لي يوسف قبل أن يندفع لاقتحام معقل الأعداء: « هنالك لحظات يتوجب على المرء أن يفقد فيها صوابه كي يكون سيد الموقف، وفي الوقت ذاته عليه المحافظة على هدوء أعصابه».
تذكرت هذا عندما كنت أدفع عجلات عربتي بمشقة باتجاه أسفل المسار المنحدر وصولا إلى الساحة المربعة أمام القاعدة. لقد سووا كل شيء بالأرض هنا لا أشجار ولا نباتات ولا أي شيء يمكن للمرء أن يستظله. أما الأرض فقد كانت جافة متشققة تنفث لهيبا حاراً بالرغم من أن الوقت لا يزال باكرا، دار الغبار حولي في حلقات في الوقت الذي كانت الشمس ترسل بأشعتها الحارقة الأرض الترابية حول القاعدة العسكرية، وقد ظهرت عليها طبعات أحذية الجنود وعجلات آلياتهم عند أحد جوانب القاعدة، ارتفعت كومة من القمامة كانت خليطاً من الأعمدة الحديدية المنحنية، وعلب زيت مرمية، وأكياس ودلاء بلاستيكية.
الدليلان الوحيدان اللذان كانا يشيران إلى وجود حياة تمثلا في لمعان المعدن الذي يظهر بين الفينة والأخرى عاكسا وهج الشمس التي ترتفع في كبد السماء، وفي عمود الدخان الرفيع لكم تختلف هذه الأرض القاحلة عن الوادي الخصيب الأخضر الذي بدأت رحلتي منه. وبالرغم من ذلك أمضيت الليل بطوله أعبر الجبال كي أطالع هذا المشهد القاحل.
Reviews
There are no reviews yet.